جاوز الظالمون المدى – الوطن | يلا شوت

منذ أن وطأت أقدام الغاصبين الأراضي العربية لأول مرة، وتاريخنا العربي يكتب فصولًا مريرة من العدوان والحروب، لكن العداء الذي تكنه دولة الاحتلال الإسرائيلي للعالم العربي، ليس مجرد احتلال أرض، بل هو سعي مستمر نحو التفوق العسكري والتوسع الجغرافي، بمساعدة قوى الغرب وتغاضي الأمم المتحدة. ومن خلال ممارساتهم الشنيعة، أصبحوا جسرا للظلم في الأرض، بل شياطين تراقب العالم العربي بعين عدوانية تسعى لطمس الهوية والوجود العربي. وكما قال الشاعر علي محمود طه في قصيدته «فلسطين» الشهيرة التي غناها محمد عبدالوهاب: أخي جاوز الظالمون المدى، فحقّ الجهاد وحقّ الفدا.
هذا الصوت الذي أطلقه عبدالوهاب في منتصف القرن الماضي، يعكس ببلاغة وجدان الأمة العربية في مواجهة ظلم الاحتلال الإسرائيلي. في تلك الأغنية، تسلط الضوء على تجاوز المعتدي حدوده، وهو ما نشهده اليوم على صعيد العدوان الإسرائيلي المتواصل على الدول العربية. فكما تتنفس الأرض العربية الجرح تلو الجرح، نجد أنّ الأمل في النصر يتجدد مع كل أغنية، مع كل شعاع أمل يعبر عبر أفقنا الملبد بالدماء.
«أخي جاوز الظالمون المدى، فحقّ الجهاد وحقّ الفدا».. هكذا تصدح الكلمات، وكأنّها تعبير عن واقعنا السياسي اليوم، حيث تجاوز العدوان الإسرائيلي كل الحدود والمواثيق الدولية. تجاوزوا المدى في غزواتهم اليومية على الأراضي الفلسطينية، في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وكأنهم ليسوا في حاجة إلى أي محاسبة. وأصبح ذلك العدوان ليس مجرد حرب عسكرية، بل حربًا نفسية وإعلامية لطمس تاريخ ووجود الشعب الفلسطيني والعربي.
هذه الأرض التي تحمل إرثا وتاريخًا من البطولات، هي اليوم ساحة صراع دامٍ بين الحق والباطل. فالعالم العربي يشهد في كل يوم معركة جديدة بين الشعوب التي تصر على البقاء، والعدوان الذي يسعى لفرض واقع جديد على هذه الأرض. كما في قصيدة طه، «فحقّ الجهاد»، أضحى الحق في مواجهة هذا الاحتلال العسكري أمر مفروغ منه، بل هو واجب يومي يعيشه الفلسطينيون في صمودهم على أرضهم.
تعكس كلمات الأغنية، في وقتها، معاناة شعب فلسطين الذي أرهقته الحروب، وتقول بلسان حال العرب إنّ هذا الظلم لا يجب أن يستمر. عبر أجيالٍ من المقاومة، يظل الصوت العربي مرتفعًا ضد هذا الظلم الذي جاوز كل الحدود. الجهاد هنا ليس فقط سلاحًا في يد المقاتلين، بل أيضًا في كل كلمة تتردد في وجدان الأمة.
العدوان الإسرائيلي لم يتوقف على الأرض الفلسطينية فحسب، بل امتد ليشمل الدول العربية بأسرها، حيث صعدت الهجمات العسكرية على لبنان، سوريا، والعراق، وتدخلت إسرائيل في شؤون الدول العربية الأخرى عبر سياسات متطورة من الدبلوماسية الحربية. من خلال تطويق الشعوب العربية ومحاصرتها، أرادت إسرائيل أن تُثبت للعالم أنّه لا مكان للكرامة في الشرق الأوسط، لكن تلك الأصوات التي تحرض على النضال من أجل الحرية، هي التي تهدم أسطورة القوة.
ما نراه اليوم من صمت عالمي تجاه الجرائم الإسرائيلية، يجعلنا نتساءل: هل انتهت فعلا قضية فلسطين؟ أم أنّ حلم العدالة لا يزال حيًا في النفوس؟ في الحقيقة، الصمت الدولي لن يُطفئ نار القضية التي يرويها الشهداء بدمائهم، وكما يقول علي محمود طه: «فحقّ الجهاد»، لم يكن فقط قضية فلسطين، بل أصبح جهادًا شاملًا ضد الاحتلال والظلم.
في مواجهة هذا التحدي، يظل العربي في كل زاوية من زوايا الوطن الكبير يدرك أن “العدو” واحد، وأن المستقبل لا يمكن أن يكون إلا بتوحيد الجهود وتوحيد المصير. فلسطين ليست قضية دولة واحدة، بل هي قضية كل عربي. من هنا، تنبع كلمات الأغنية لتحفز الجماهير العربية على النهوض، لتدرك أن الجهاد هو «حقّ» مشروع، ووسيلة واحدة لإعادة الحق إلى أصحابه.
ما يحدث في الأراضي المحتلة هو جريمة إبادة جماعية تنفذها آلة الحرب الإسرائيلية، التي لا تميز بين طفل أو شيخ، رجل أو امرأة. كما تقول الأغنية: «أخي جاوز الظالمون المدى»، فإنّ هذه الحروب تجاوزت حدود الوعي الإنساني، لتصبح سلسلة من الجرائم التي لا يمكن السكوت عنها، وأصبح واجبنا أن نواجهها بكل ما أوتينا من قوة.
كما يردد عبد الوهاب في أغنيته، ليس هناك من خيار سوى النضال في سبيل كرامة الأمة. فإذا تجاوز الظالمون المدى، فحقنا أن نقف سويًا، وأن نستعيد هيبتنا كأمة واحدة. التفرق بين الدول العربية يزيد من مأساة القضية الفلسطينية، حيث إنّ الوحدة هي السلاح الأقوى في وجه هذا العدوان المستمر.
تسعى إسرائيل إلى طمس الهوية العربية، ليس فقط من خلال الهجوم العسكري، ولكن من خلال محاولات مستمرة لتغيير التاريخ وحرف الحقائق. هي محاولة فاشلة لجعل الأمة العربية تعيش في حالة من التوهان والضياع. ولكن، لا زال التاريخ العربي شاهدًا على المقاومة والبقاء، كما يظل الحق في هذه الأرض من أسمى القيم التي يجب على كل عربي أن يظل متمسكًا بها.
عندما نتحدث عن العدوان الإسرائيلي، لا بد لنا أن نتذكر أنّ المقاومة هي القاعدة، والعدوان هو الاستثناء. وكما يقول الشاعر علي محمود طه في قصيدته «فحق الجهاد»، فإنّ الحق لن يموت ما دام في قلوب العرب إيمان بأن النصر قادم لا محالة. فالقضية الفلسطينية هي قضية كل عربي، والنصر على العدوان هو وعدنا الذي لا يفقده الأمل، مهما كانت التضحيات.
لم تعد إسرائيل مجرد عدوان على شعب فلسطين، بل أصبحت ظلامًا يهدد كل العرب، وتحاول أن تفرّق بين وحدة الأمة. لكن، كما قالت أغنية «فلسطين» أخي جاوز الظالمون المدى، فحق الجهاد وحق الفدا، نحن اليوم، نرفض الذل، ولن نتوقف عن الجهاد في سبيل حقنا وحق فلسطين.
تعليقات